تتضاعف الفرص أمام مستثمري ومشغلي الفنادق في أطهر بقاع الأرض، مكة المكرمة، في الوقت الذي تضع فيه المملكة نصب عينيها زيادة أعداد الحجاج سنوياً حتى عام 2030.
الحج هو أحد أركان الإسلام الخمس، يقوم فيه المسلمون بتكرار مجموعة من المناسك التي قام بها النبي محمد عليه الصلاة والسلام قبل قرون. هذه الفريضة التي تستغرق خمسة أيام هي تجربة روحية عميقة يتوق إليها جميع المسلمين. ويعتبر موسم الحج أكبر تجمع للناس على الأرض؛ حيت يجتمع ملايين المسلمين من جميع أنحاء العالم سنوياً في أقدس البقاع الإسلامية - الكعبة الشريفة في مكة المكرمة.
وفقاً للهيئة العامة للإحصاء بالمملكة العربية السعودية، فقد زار 2,35 مليون مسلم مكة المكرمة في عام 2017م لأداء فريضة الحج، منهم 1.75 مليون حاج من خارج المملكة العربية السعودية.
يصل الحجاج إلى مكة المكرمة قبل الحج ببضعة أيام، وغالباً ما يمكثون لمدة أسبوع أو أكثر، بينما يبقى الحجاج القادمين من خارج البلاد في المملكة لمدة شهرين تقريباً خلال موسم الحج لزيارة المواقع التاريخية المختلفة كجزءً من طقوسهم الدينية. لذا، يولد الحج حوالي 8 مليار دولار من العائدات سنوياً، مما يجعله ثاني أكبر مصدر دخل للمملكة العربية السعودية بعد مجال الهيدروكربونات.
يتوقع أن يبلغ دخل الحج والعمرة مجتمعة 150 مليار دولار للمملكة خلال السنوات الخمس المقبلة، وفقاً لتوقعات اللجنة الوطنية العقارية في مجلس الغرف السعودي.
موسم الحج فرصة تجارية كبيرة للفنادق:
بالنسبة لقطاع الفنادق في مكة المكرمة، يعتبر موسم الحج هو الأكثر ازدحاماً كل عام، حيث تحقق الفنادق نسبة إشغال تبلغ 100% خلال هذه الفترة.
يبدأ موسم الحج في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة الذي وافق 19 أغسطس من عام 2018 وانتهى في 24 أغسطس. تفرض العديد من الفنادق حد أدنى لمدة الإقامة خلال تلك الفترة، ونظراً لمناسك الحج المذكورة؛ يمكث الحجاج لمدة تصل إلى 20 يوماً وأكثر في بعض الأحيان. وقد افتتحت العديد من الفنادق الجديدة قبل موسمي رمضان والحج عام 2018م لاستيعاب العدد المتزايد من الزوار أثناء وبعد هذه المواسم.
لم يتم الكشف بعد عن الأرقام الرسمية التي تحدد عدد حجّاج هذا العام. ولكن قبل أسبوع من بدء الحج، وصل أكثر من 1,3 مليون شخص إلى المملكة العربية السعودية، وتم تسجيل أكثر من 200,000 حاج من داخل المملكة في الخدمات التي تتضمن: الحج المخفض والحج الميسر والبرنامج العام، وفقاً لوزراة الحج والعمرة.
المستقبل مشرق:
يهدف كلاً من برنامج التحول الوطني 2020 ورؤية المملكة 2030 للتنوع الاقتصادي وتطوير استراتيجية لتنمية قطاع السياحة الدينية في المملكة. وتتمثل الخطة طويلة المدى في تسهيل أداء الحج والعمرة لأكبر عدد من المسلمين (مصدر 5)، تماشياً مع توقع ازدياد عدد المسلمين في العالم من 1,8 مليار مسلم إلى 2,76، أو ما يمثل 29.7% من سكان العالم بحلول عام 2050م، وفقاً لمركز بيو للأبحاث.
وفقاً للـ NTP، من المتوقع أن يصل عدد الحجاج إلى 2,5 مليون حاج بحلول عام 2020، بينما يتوقع أن يتضاعف عدد المعتمرين من 7 ملايين إلى 15 مليون معتمر. وتطمح رؤية المملكة 2030 لزيادة عدد الحجاج إلى 5 مليون حاج، وزيادة عدد المعتمرين إلى 30 مليون معتمر.
لضمان قدرة المملكة العربية السعودية على استيعاب هذا الارتفاع الكبير في أعداد السياح الدنيين، تستثمر الحكومة أكثر من 82,7 مليار دولار (ما يعادل 310,16 مليار ريال سعودي) في مشروعات من شأنها أن تعزز القدرة الاستيعابية للمسجد الحرام والمطار الرئيسي ولتحسين الوصول إلى المدن المقدسة.
تجري حالياً عمليات توسعة المسجد الحرام الذي تبلغ تكلفتها 26,6 مليار دولار، لزيادة القدرة الاستيعابية للموقع من 600,000 إلى 2,2 مليون، وتمكين 400,000 شخص من الطواف حول الكعبة في الساعة.
بالإضافة إلى توسعة مطار الملك عبد العزيز في جدة بتكلفة 93 مليون دولار (ما يعادل 348,78 مليون ريال سعودي)، لزيادة قدرته الاستيعابية إلى 30 مليون مسافر سنوياً بحلول نهاية العام. كما سيتم افتتاح مشروع قطار الحرمين السريع الذي يربط بين مكة والمدينة، والذي بلغت تكلفته 16,5 مليار دولار (ما يعادل 61,88 مليار ريال سعودي)، قريباً.
علاوة على ذلك، أعلن صندوق الاستثمار العام في أواخر العام الماضي عن مشروع ضخم مصمم لرفع الطاقة الاستيعابية لاستضافة الأعداد المتزايدة من الحجاج والمعتمرين. من المتوقع أن يساهم مشروع رؤى الحرم المكي، الذي يضم 70,000 غرفة فندقية، بأكثر من 2 مليار دولار في الاقتصاد الوطني، وفقاً لتقرير JLL لسوق مكة المكرمة خلال النصف الأول من عام 2018م.
وفرة الفرص الاستثمارية:
يواصل الإعلان عن مشاريع البنية التحتية الجارية في المدينة المقدسة وما حولها، والتي تمهد الطريق لاستيعاب المزيد من الحجاج والمعتمرين، تعزيز شعور المستثمرين بأهمية سوق مكة العقاري حيث يكون قطاع الفنادق والضيافة هو المستفيد الرئيسي.
تبلغ قيمة المشاريع الفندقية تحت الإنشاء في مكة المكرمة 10 مليار دولار، وفقاً لتقرير وزارة الزراعة الأمريكية الموجه للشركات الأمريكية التي تفكر في دخول السوق السعودي، في حين أشارت بيانات STR إلى تصدر مكة المكرمة السوق السعودي من حيث عدد الغرف قيد الإنشاء بـ 25,619 غرفة، أي ما يمثل 71.4% من الإجمالي الحالي.
تمتلك مكة المكرمة تاني أكبر عدد مشاريع فندقية قيد الإنشاء في الشرق الأوسط، وتخلق خطط رؤية 2030 مزيداً من الإمكانات لإضافة مشاريع جديدة في جميع قطاعات سوق مكة المكرمة. وقد دأبت مكة المكرمة والمدينة المنورة على التوجه نحو الفنادق الراقية والفخمة، ولكن مع تنوع أسواق المصدر والتركيبة السكانية، يوجد إمكانات هائلة لأنواع أخرى من الإقامة.
وفقاً لشركة TRI Consulting، يسافر عدد أكبر من الشباب إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة لأداء الحج أكثر من أي وقت مضى لعدة عوامل، منها زيادة توافر التأشيرات لتحسين الربط والموصولية، مما يدعو إلى تبني المفاهيم الفندقية التي تلبي العقلية الألفية.
ويوجد في الوقت ذاته حاجة إلى مزيد من أماكن الإقامة الاقتصادية، والمتوسطة التكلفة ،والشقق الفندقية، لخدمة الضيوف المقيمين لمدة أطول من عائلات وجماعات، بالإضافة إلى مفاهيم الضيافة المتخصصة التي تلبي احتياجات الحجاج الخاصة.
اطلعت بعض الشركات على هذه التوجهات واستجابت لها بالفعل، مثل شركة مكارم، وهي علامة تجارية سعودية انشأتها وصممتها شركة "دور للضيافة" لخدمة السياحة الدينية. تشغل شركة مكارم عدة فنادق في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتتخصص في تقديم خدمات الضيافة السعودية الأصيلة وفق المعايير العالمية.
يجذب هذا المفهوم مزيجاً متنوع من الحجاج المحليين والدوليين. فينتمي 1,33 مليون حاج جاء إلى المملكة خلال فترة الحج من عام 2016م إلى ثمان أسواق رئيسية: احتلت اندونيسيا المركز الأول بـ 178,000 حاج، تليها باكستان بـ 143,368 حاج، ثم بنغلاديش بـ 102,000 حاج، ثم الهند بـ 98,820 حاج، ثم نيجيريا بـ 76,000 حاج، وذلك وفقاً لتقرير "الحج والعمرة: التطورات والفرص" الذي نشرته ThomsonReuters & Dinar Standard في شهر يناير من العام 2017م.
يوضح التقرير أيضاً كيف يسافر الحجاج إلى مكة ويبحثون عن عروض الضيافة البديلة، وتملاً مكارم هذه الفجوة من السوق بشكل مثالي. ويعد تقديم خدمات الضيافة الإسلامية أحد المقاصد الرئيسية للعلامة التجارية، وتتضمن هذه الخدمات توفير مرشد ديني عالي التدريب للمساعدة في توجية الزوار خلال رحلتهم الدينية.
تطور فنادق الحج:
وفقاً للهيئة العامة للإحصاء، فقد رحبت المملكة العربية السعودية بحوالي 54 مليون حاج على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، منهم أكثر من 23,83 مليون حاج تم رصدهم خلال السنوات العشر الماضية. في حين تم تسجيل أكبر عدد من الحجاج في عام 2012م (1433 هـ) حيث بلغ عددهم 3,16 مليون حاج.
بالنظر إلى التوقعات الخاصة بأعداد الحجاج حتى عام 2030م، سيكون على مكة المكرمة تلبية حوالي 5 مليون حاج؛ الأمر الذي يسهله التطور الكبير في البنية التحتية، مما يجعل مستقبل قطاع الضيافة في مكة المكرمة مبشر.
نعيش الآن وقتاً مثالياً للاستثمار في سوق الضيافة في مكة المكرمة، مع تزايد الفرص لتقديم مفاهيم إقامة جديدة تلبي احتياجات الجيل القادم من الحجاج الذين يزورون المدينة المقدسة.
على مستثمري ومشغلي الفنادق الإطلاع على أسواق الحج الناشئة، حيث تتوقع الأجيال الجديدة والناشئة أن تلبي عروض الضيافة متطلباتهم العملية والروحية في المستقبل.
وتتوقع شركة "دور للضيافة" بأن الخدمات الشخصية، واعتماد وسائل التكنولوجيا سهلة الاستخدام المرتبطة بالحج، و التزام المشغل والمالك بالممارسات الاخلاقية والمستدامة، ستزداد أهميتها بالنسبة للحجاج الشباب وعائلاتهم وأصدقائهم.
ستعتمد الفنادق التي فهمت هذه المعطيات بشكل صحيح، هذه التوجهات لضمان تقديم رحلة لا تنسى من بدايتها حتى نهايتها لضيوفها الحجاج.